بقلم: فلاح بن علي الزهراني
تعدّ السودان إحدى ضحايا التآمر الذي يستهدف أمن الأوطان واستقرارها، مقابل استنزاف خيراتها والنيل من حقوق شعبها وكرامته. يصبح المواطن المغلوب على أمره كبش فداء يدفع الثمن باهظاً: أنفسٌ بريئة تُراق بحدّ النار أو بالجوع والتنكيل، وتموت معها أخلاقُ وإنسانيةُ من يموّل أولئك المنشقين والمرتزقة المجرمين الذين حصروا زاوية النظر في بريق الذهب ليس إلا!
ومع أن الشعب السوداني يتسامى بأصالته وولائه لوطنه – ذلك ما يدفعه للنضال بشجاعة وبسالة دون سأم أو كلل في سبيل تطهير الأرض من تلك الشرذمة المنشقة الفاسدة المتمثلة في ميليشيات حميدتي وشلّته التي دمّرت الحرث والنسل – إلا أن الدعم اللوجستي الذي يتلقاه الطرف المعادي يجعل المهمة أكثر تعقيداً وأطول أمداً، مما يزيد المعاناة ويعمق الألم، ويضعف قوى الدولة في مجابهة تلك الإمدادات الوافدة إذا تُركت تواجه مصيرها لوحدها، دون أن تُفرض – على الأقل – عقوبات صارمة تشكّل طوقاً برياً وجوياً يضمن عدم تدفق أي أفراد أو أسلحة إلى أولئك المجرمين المتاجرين بوحدة السودان وخيراته ومستقبل أجياله.
الجامعة العربية والدور المنتظر
إزاء التدخلات الخارجية التي ولّدت صراع التنازع على السلطة والانقسام في عدد من البلدان العربية، يتبادر إلى ذهن المواطن العربي عدد من الأسئلة:
• ما دور الأمين العام لجامعة الدول العربية؟
• وما هي المسؤوليات المنوطة بالجامعة (بيت العرب الافتراضي) في فضّ النزاعات، وفرض الأمن، وحماية المواطن والأوطان من تطاول الآخر وتدخّله في شؤون دول المنطقة دون اعتبار لسيادتها على أراضيها، تحت شعارات مخادعة أو نزعات مذهبية أو مطامع سياسية أو مادية؟
• هل الخلل في الأمين، أم في صلاحياته، أم في الهيكل التنظيمي، أم في التمزّق العربي واختلاف الآراء وعدم الوفاق؟
وقفة
لقد جاء الدين الإسلامي ليكون سلاماً للعالمين، لذا قرّر ما يصلح الحال والمآل؛ من شرائع وأحكام تكون منهج حياة يحقق التعايش. كما قرّر الحرب والسلم، ومن ذلك الأمر بالتدخل حال الشقاق أو البغي من فئة على أخرى: بالإصلاح أولاً، فإن لم يجدِ نفعاً فبفرض القوة لردع المتمرّد ليعود لرشده تحت راية الدولة، لئلا يعتري المجتمع المسلم الفوضى، أو تسوده الخلافات التي تتيح للأعداء إيجاد الذرائع للتدخل، وبالتالي تأجيج الصراع، واستغلال الفجوة لإحكام القبضة لفرض أيديولوجيات مغايرة أو للحصول على مكتسبات معينة، فيحلّ الجهل، وتدلهم الظلمات، ويعمّ الفقر.
قال تعالى:
﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾
[الحجرات: ٩]
أخيراً
إن ما يمرّ به السودان يشكّل كارثة حقيقية تستوجب وقفة صارمة من الدول العربية لاتخاذ موقف موحد يوقف نزيف الدم، ويكبح جماح الإجرام، ويتصدّى للصلف والعنجهية العدوانية لميليشيات الجنجويد – أو ما يُسمّى قوات الدعم السريع – وذلك لإنقاذ العزّل أولاً، ولتدارك الأمر ثانياً، لئلا ينتهي المطاف بتقويض الدولة وفرض سيطرة تلك العصابة المرتزقة؛ فتذهب بالسودان إلى مراهنات خاسرة تفصله عن محيطه العربي، فيفقد معها عروبته وانتماءه.
(0) التعليقات
تسجيل الدخول
لا توجد تعليقات