
حسن بن محمد الكيادي
قربت الثورة التكنولوجية سكان الكوكب وجعلت العالم قرية واحدة، وعلى الرغم من الإيجابيات الهائلة لهذا التحول إلا أنه محفوف بالسلبيات، وفي مقدمتها سرعة انتشار الأزمات الصحية الكبيرة، مثل جائحة كوفيد-19، والتي كشفت أن "التواصل الصحي" ليس مجرد أداة إعلامية، بل عنصر استراتيجي حاسم في حفظ الأمن الصحي وتوجيه المجتمع وتقليل المخاطر الصحية.
تتجلى أهمية التواصل الصحي أثناء الأزمات في نشر الوعي الصحي الدقيق وتعزيز الثقة بين الجهات الصحية والمجتمع. فالشفافية والاستجابة السريعة تعززان مصداقية المؤسسات الصحية، كما تساهمان في التصدي للشائعات والمعلومات المغلوطة، مما يمكن المجتمع من اتخاذ قرارات صحية سليمة.
في إطار تعزيز التواصل الصحي، اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات مهمة، مثل إطلاق مؤتمرات صحفية يومية بقيادة المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، وتفعيل منصات رقمية رسمية باللغتين العربية ولغات متعددة لخدمة المقيمين. كما تم تنظيم حملات توعية مبتكرة ومكثفة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لرصد الانطباعات وتحليل التفاعل مع المحتوى الصحي، فضلاً عن التعاون مع مؤثرين وإعلاميين لبث رسائل الصحة العامة بطرق قريبة من الجمهور.
يُعتبر التواصل الصحي أحد فروع دراسات الاتصال المهمة، حيث يجمع بين النظرية والتطبيق لفهم عمليات الاتصال وتغيير السلوك، وهو أمر ضروري في أوقات الأزمات الصحية العامة مثل الأوبئة، التي تتطلب اتباع نهج معقد وطويل الأمد لتغيير العادات والسلوكيات والتكيف مع الظروف الوبائية.
إلا أن التواصل الصحي يواجه تحديات مثل الانتشار السريع للشائعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتعدد اللغات والثقافات داخل المملكة، مما قد يعقد توصيل رسالة موحدة. كما أن ضعف الثقة بين بعض الجهات الصحية والإعلام قد يؤدي إلى فجوات في المعلومات، ويزيد من تعقيد الرسالة الصحية.
لتجاوز هذه التحديات، يمكن إنشاء وحدة رصد إعلامي ومركز إعلامي موحد يقدم تحديثات فورية، مع الاعتماد على مصادر موثوقة. ينبغي أيضًا تخصيص محتوى بلغات ولهجات مختلفة، وتفعيل وسطاء مجتمعيين للتوعية المباشرة. كما يمكن بناء شراكات تدريبية بين الإعلام والجهات الصحية، وتوحيد قنوات التصريح الإعلامي، وربط القطاع الصحي الخاص رسميًا بخطط الأزمات.
علاوة على ذلك، يمكن إنشاء مركز اتصال موحد للمعلومات وتحديد متحدث رسمي واحد خلال كل أزمة، بالإضافة إلى تكوين فرق مشتركة من الأطباء والمحررين الإعلاميين لترجمة المصطلحات بدقة. وأخيرًا، يُستحسن اعتماد “قاموس موحد للمصطلحات الصحية” بالتنسيق بين وزارتي الصحة والإعلام، وتدريب المتحدثين الإعلاميين على تبسيط المفاهيم الطبية دون الإخلال بالمعنى.
(0) التعليقات
تنبيه
من فضلك قم بتسجيل الدخول من هنا لتتمكن من أضافة تعليق
لا توجد تعليقات