المقالات

وزارة التعليم تعزز الجدية والانضباط المدرسي!

وزارة التعليم تعزز الجدية والانضباط المدرسي!

بقلم: فلاح بن علي الزهراني

التعليم؛ الأثر والمستقبل

تسعى وزارة التعليم جاهدة لحوكمة العملية التعليمية وفقا لمعايير وضوابط دقيقة قابلة للقياس والتقويم، وذلك استشعاراً منها بأن التعليم يمثل القاعدة العريضة التي يبنى عليه مستقبل الأجيال ونهضة الوطن، إذ أن التغيير والتقدم رهن بتطور العقول ورقيها، لمواكبة متطلبات العصر ومستجداته، كي تستوعب تداعيات المرحلة الراهنة ببصيرة ثاقبة ونظرة فاحصة، بل ولتستشرف المستقبل برؤى واعدة وابتكارات خلاقة؛ تتخطى عامل الزمن لما هو أجدى وأعمق، بل لما هو خيرٌ وأبقى!

إن من عايش التسارع المعرفي والتطور التقاني منذ البدايات الأولى ليجد أنها تنامت بشكل متدرج ومتصاعد، وصولاً لعصر الروبوتات والذكاء الاصطناعي، مما يحتم على راسمي السياسات التعليمية، ووزارة التعليم العمل على بناء وتطوير الأنظمة التعليمية بكل عناصرها وأدواتها، وذلك لخلق بيئة تنافسية فاعلة وجاذبة، لضمان دقة التنفيذ وجودة المخرجات، الأمر الذي أدى لإحداث تحول شبه جذري في الآلية التي تدار بها عجلة التعليم، لتكون ذات إتقان وموثوقية أعلى، ولتأتي المحصلة عميقة ورصينة وأصيلة؛ ذات محاورٍ رأسية وأفقية؛ وفقاً لمنظومة تكاملية تنبع من مسؤولية مشتركة دافعها الحرص والتفاني؛ عملاً بعقلية الوفرة التي تنطلق من فكرٍ ثاقب ووعي مجتمعي بأهمية التعليم في النهوض بقوى الأوطان ومقومات تمايزها!

 

آلية الحضور والغياب:

إن ما أتخذ من استعدادات وقرارات في العام الحالي، لهو دليل على عزم الوزارة على تجويد العملية التعليمية، وإتقان آدائها بصورة مرضية، ومن ذلك:

 تطبيق الحضور الذكي؛ الذي يعمل باستخدام تقنيات انترنت الأشياء، والسمات الحيوية الخاصة بكل موظف، والذي يعد امتدادا لتلك الإجراءات التي من شأنها أتمتة أنظمة الموارد البشرية كإجراء موحد لجميع القطاعات الحكومية والخاصة، إضافة لما لذلك من إيجابيات تعود بالنفع والفائدة على المتعلم، كبرامج إثرائية أو نمائية من أنشطة تفاعلية لا صفية أو متابعة لتكليفات كتابية أو عملية؛ فردية أو جماعية، مما لا يتحقق دون تواجد المعلم أثناء ساعات الدوام، كما أن من حسنات أتمتت الحضور والمتابعة تفرغ إدارة المدرسة لرسم برامج متابعة تطوير العملية التعليمية بدلا من الانشغال بالأعمال الإدارية التي تستنفد الجهد، كما لا تفسح المجال للمدير والوكلاء التواجد الميداني؛ جنبًا إلى جنب مع الطالب والمعلم، لمشاركتهم مناشطهم، دعمًا وتوجيهًا ومؤازرةً.

 

 وفي جانب الطالب فإن انتظام عقد العملية التعليمية رهنٌ بالانضباط والتحلي بالسلوك الحسن؛ كآداب مرعية للنهل من معين المعرفة، لتكون المدرسة أرضيةً مشتركة، ومكاناً مهيأ للإثراء والتواصل المباشر الذي يعد المغذي الرئيس لبناء الشخصية بشقيها العلمي والتربوي، لتتكامل مع بقية الجوانب الأخرى النفسية والمهارية والاجتماعية، والتي يتشكل من خلالها الوعي والتنمية الشاملة للقدرات والمواهب المتعددة، مما يجعل الغياب معضلة تعطل عجلة العلم والتعلم نحو التقدم والارتقاء. الأمر الذي يتطلب وضع ضوابط تعزز قيمة العلم وتمكينه وامتداد أثره، ليترسخ في وعي الطالب؛ شغفاً وضرورة حياتية؛ كالماء والهواء! في الوقت الذي أصبح فيه الجهل ثقوباً سوداء تغيّب الإنسان عن حاضره ومجتمعه، كما يفضي للخواء والتسطيح، ومن ثمَّ التخلف والرجعية، أو التبعية العمياء والاستغلال المبتذل، مما يتطلب العمل على تضييق فجوة الأمية إذ لم يعد لها متسعاً في قاموس الحياة المعاصرة، تلك العوامل مجتمعة أدت للتشديد على الانضباط، والحد من الغياب المتعمد، وذلك بفرض التحضير آلياً عن طريق برنامج نور، والمنصات المعتمدة، لا أدلَّ على ذلك من تخصيص (100) درجة للمواظبة تدخل ضمن المجموع العام، والعمل على محاسبة متكرري الغياب دون عذر شرعي بالحسم من الدرجات، أو الحرمان من الانتقال للمرحلة التالية، حال بلوغ الغياب 10٪ بمعدل (18) يوماً، في الوقت الذي تفشى فيه الغياب كظاهرة تهدد مستقبل الطالب، بل مشكلة تطال الأجيال والأوطان بفاقد تعليمي كبير!

 

تعليمنا قيمنا:

 لقد خصصت وزارة التعليم (100) درجة للسلوك للتأكيد على أن العلم وحده لا معنى له، مالم يتحلى بالخلال الحميدة والاخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة؛ عملا وتعاملا، كطبع أصيل ونبل كريم، احترام متبادل، وتواد صادق يوثق عُرى العلاقات، ويبني جسور الرحمة والمودة، باعتبار الخلق يشكل حصانة من الانحراف والانحدار للمساويء، كما هو صمام أمان ضد الفرقة والتشرذم.

الأخلاق؛ شيم وشهامة وحسن معشر، تعمق اللحمة وتعضد التعاون لعمل جاد مشترك ناجح!     

 ولعلّ " حافظ إبراهيم خير من ترجم الترابط بين العلم والخلق؛ كصنوان لا ينفصمان، وإلا لانشطر الإنسان لنصفين متباينين، كل منهما يناقض الآخر؛ صراع الخير والشر!

وَالعِلمُ إِن لَم تَكتَنِفهُ شَمائِلٌ

تُعليهِ كانَ مَطِيَّةَ الإِخفاقِ

لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَعُ وَحدَهُ

ما لَم يُتَوَّج رَبُّهُ بِخَلاقِ

كَم عالِمٍ مَدَّ العُلومَ حَبائِلاً

لِوَقيعَةٍ وَقَطيعَةٍ وَفِراقِ

وَفَقيهِ قَومٍ ظَلَّ يَرصُدُ فِقهَهُ

لِمَكيدَةٍ أَو مُستَحَلِّ طَلاقِ

يَمشي وَقَد نُصِبَت عَلَيهِ عِمامَةٌ

كَالبُرجِ لَكِن فَوقَ تَلِّ نِفاقِ

يَدعونَهُ عِندَ الشِقاقِ وَما دَرَوا

أَنَّ الَّذي يَدعونَ خِدنُ شِقاقِ

 

محطة وعي:

 تسهم المناهج بصورة غير مباشرة في إذكاء حس المسؤولية لدى المتعلم إلا أنها لا تمده بالوعي الكامل والتأهيل الكافي والاستعداد اللازم لممارسة الدور المنوط به في البناء والمشاركة المجتمعية والتنمية المستدامة؛ مالم يكن هنالك برامج موجهة للتنمية الذاتية، لتحفيز القدرات وصقل المواهب، وإنماء المهارات العقلية والآدائية من قبل مدربين معتمدين في تطوير الذات، من داخل أو خارج المنظومة التعليمية، فذلك لم يعد نفلاً بقدر ما هو ضرورة تتطلبها المرحلة.

 عقد شراكات مع وزارة الثقافة والإعلام والرياضة، لمد جسور التواصل والتعاون؛ لتكامل الأدوار فيما ينمي شخصية الطالب ويوسع مداركه، بل يبعث كوامن القدرات المعطلة، وتوجيه ميوله ورغباته، نحو الظهور والإبداع لخلق تفاعل وحراك ثقافي؛ أدبي علمي مهاري( مجتمع حيوي) كأحد مستهدفات رؤية المملكة 2030.

 الاختبارات المركزية يجب أن تتحرر من إيحاءات المفهوم السائد بأنها مجرد قياس للاستظهار والحفظ، أو معيار لانتقال الطالب للمرحلة التالية، لتتخذ منحًا آخر، لتكون دافعًا ومحفزًا للعمل الجاد والتفاني المخلص، الذي لا يتوقف عند الانتهاء من تنفيذ المناهج وحسب، بل لتعميق الفكرة وتأكيد الفهم، وترسيخ القيم، وإعمال القدرات العليا، على التحليل والقياس والإبداع والابتكار، وهذا ما يؤكد ضرورة تجويد آليتها، وطرق تنفيذها ومعالجتها بصورة مركزية إعدادًا وتصحيحًا.   

إشادة:

تتوجه وزارة التعليم حاليًا لرفع قيمة العلم وتأصيل القيم، وتعزيز الانتماء الوطني بكل معاني الأصالة والريادة، مما يدعم توجه القيادة نحو رفعة الوطن وإعلاء شأن المواطن!

جهوداً موفقة تستحق الشكر والإشادة، كما تستلزم الدعم والمؤازرة من جميع فئات المجتمع لإنجاح الخطط وتحقيق ما نصبوا له جميعاً.