منوعات

جيل Z بين بريق المعرفة وثقل التجربة:

جيل Z بين بريق المعرفة وثقل التجربة:

رغم أني لا أميل بطبعي ككاتب إلى تصنيف المجتمع إلى فئات زمنية، مثل جيل X أو Y أو Z، إلا أنني لا أجد بأسا من التواري خلف هذه التصنيفات، لا لغاية التصنيف ذاته، بل لتمرير فكرة أراها مهمة وحساسة في آنٍ معًا ... دون أن أغضب جيلًا، أو أتعصب لآخر، فالفكرة هنا ليست في (من الأفضل؟)، بل في (ما الذي يحتاجه كل جيل ليتكامل مع غيره؟).

في خضم التحولات المتسارعة التي يعيشها عالمنا المعاصر، يبرز ما يُعرف بـ جيل Z كأحد أكثر الأجيال ارتباطًا بالتقنية، وانغماسًا في المعلومة، وتماسًّا مع التغيرات الرقمية والثقافية المتلاحقة، وهو جيل وُلد في حضن الإنترنت، ونما في ظل الهواتف الذكية، وتشكل وعيه مع تدفق غير مسبوق للمصادر المعرفية والمنصات التعليمية!

ولا شك أن هذا الجيل يتمتع بإمكانات واعدة، وذكاء فطري، وقدرة مذهلة على التكيف والتعلّم الذاتي ... ومع ذلك، فإن المتأمل في بعض مظاهره وسلوكياته يلحظ اتجاهًا متناميًا نحو (الادعاء المعرفي)، حيث يبدو أن وفرة المعلومة قد أغرت أو أغوت بعضهم بالاعتقاد بأنهم يعرفون كل شيء، أو على الأقل، لا حاجة لهم بمن سبقهم علمًا وخبرة.

قد تجلس إلى أحدهم، فتجده يتحدث في الطب بثقة تفوق الأطباء، وفي السياسة كأنه خبير استراتيجي، وفي الهندسة وكأنه صانع نظريات الكون! يتنقل بين التخصصات بخفة الساحر، ويقطع في الأحكام دون تردد، وكأن أعوام التجربة العملية مسحتها دقائق من التصفح!

وهنا تبرز الحاجة إلى التذكير بأن المعرفة الحقيقية ليست في توفر المعلومات، بل في عمق الفهم، وسلوك التواضع، واستعداد النفس للإصغاء والتعلم، وان العلماء الكبار كانوا طلابًا صغارًا، وكان أول طريقهم كلمة (لا أعلم)، أما المكابرة، فهي لا ترفع قدرًا، ولا تُنمِّي فهمًا، بل تزرع الوهم وتعيق النضج.

جيل Z مدعو اليوم إلى وقفة مراجعة، لا تنقص من قدره، بل ترفعه، وقفة تعيد تعريف العلاقة مع المعلومة، وتفصل بين المعرفة الرقمية والتجربة الواقعية، بين ما هو خارج الصندوق وما هو خلف آفاق المعرفة، وتحث على الإنصات لمن سبق، لا باعتبارهم أوصياء، بل كشركاء في رحلة الفهم والتحوّل.

إن الثقة مطلوبة، والجرأة محمودة، والطموح حق مشروع، لكن كل ذلك لا يُثمر دون أدب التعلم، وأخلاق الحوار، واحترام المراحل والتجارب، والفرق بين مَن (يعرف شيئًا عن كل شيء)، ومَن (يفهم ما يجب أن يُفهم) هو ما يصنع الفارق الحقيقي!

ختامًا، فإن جيل Z يملك كل المفاتيح ليصنع التغيير، لكن عليه أولًا أن يدرك أن أكبر معيق للتطور هو الظن بالاكتفاء، وان (فوق كل ذي علم عليم).

✍🏼علي بن عبدالله المالكي