
بقلم: فلاح بن علي الزهراني
لا شيء يكبح جماح الظلم والاستبداد و التعدي على الغير كمنظومة الأخلاق التي تعد ضابطاً للتصرفات وحفظ الحقوق والوقوف عند الحدود!!
عندما تفقد الأفراد والمجتمعات الأخلاق، وتتجرد من المباديء والأعراف تُصاب بداء السعار، تصبح في حكم الوحوش الكاسرة التي لا مطمع لها سوى الاستحواذ وفرض السيطرة بدافع مزاجي غاشم مفرغ من الرحمة والشفقة!
وهكذا العدو الإسرائلي اللدود الذي يرى في القتل قوة، وفي الاعتداء سطوة، وهو إذ ذاك مؤدلج بعقيدة صهيونية مسمومة بداء الكراهية، محتقن بالإرهاب الذي يفتك بالجميع دون هوادة، وفي عقليتهم المريضة أن ذلك سيخلق نوعاً من الهيبة التي تمهد لهم الطريق للتمدد، باعتبار فرض الأمر الواقع كقوة مزمجرة لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها، بدعم ومهادنة غربية، ومعه صمت وضعف من مجلس الأمن الدولي الذي أصبح مجرد أداة لتمرير ما يملى عليه، لا ليقوم بالوظيفة المتوخاة منه في إرساء السلام العالمي.
إن ما أرتكب ويرتكب بحق المواطنيين العزل- أصحاب الحق والأرض- إنما هو إرهاب ممنهج لا تلمعه شعارات ملفقة ولا تبريرات وإدعاءات مزيفة، بل هو جريمة نكراء بكل القوانين والأعراف، والأعظم جرماً عندما يستهدف الجوعى الذين لا حيلة لهم ولا ذنب سوى أن ينتظروا لقمة عيش يقيمون بها صلبهم المتهالك، فيتفاجأوا بالنيران تَنْصبَّ عليهم كشواظ من نار تجعلهم أشلاء ممزقة، لتعكس خبث مستعر لا يستهدف الشخوص بقدر ما يستهدف قيماً عظمى تقف لهم بالمرصاد؛ لا تحرق ولا تباد، تظل حيّة لا تموت، تتوارثها الأجيال كابر عن كابر، ألا وهي حب الوطن، التشبث بالأرض، شرف الموت دونه، كارتباط روحي بين الإنسان وموطنه.
يريد المجرم المتعجرف حرق كل المعالم والآثار التي تمت للعمق التاريخي، انتزاع المعتقد الإيماني، الذي يزداد صلابة كلما أزداد صلف العدو، ذلك بأن الإرهاب الغادر لا يضعف إرادتهم بل يجعلها أكثر جسارة ومنعة للتمسك بالأرض، بمهد عروبتهم ومنبع أصالتهم، بكل ما يربطهم بها! لقد أثبتت الأحداث أنهم شعب عظيم يملكون قلوباً من حديد، عزيمة لا تذوبها النيران الملتهبة .. إنهم أكبر من أن يخضعوا أو يذلوا لعدوٍ متربص غاشم غوغائي مستبد قاتل!
لا يوجد تفسير منطقي لتبلد الشعور العالمي، لتجمدت الإنسانية في عروق الدم البشري!!
مشهدية مؤلمة -لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد- لجموع الجوعى الغفيرة التي تقف صفوفا طويلة ببطون خاوية، وقلوب مكسورة، وأجساد نحيلة تتلوى منهكة هزيلة؛ على أمل الحصول على لقمة عيش تبقيهم أحياء، لفترة لا أكثر، في ظل الحصار والتجويع الذي يراد من ورائه الموت البطيء، ليكون أداة موازية لا تقلّ إجراماً عن تلك الآلة العسكرية التي تنهال عليهم بالنار صبح مساء .. ألا تحرك تلك المآسي ضمير العالم ليوقفوا ذلك العدوان؟!!
لقد تجرد الكيان الصهيوني لحالة من الفوضى ألا إنسانية، إذ رأى في طوابير الجوعى وتجمعهم فرصة سانحة لاقتناصهم بقذيفة تمزق أجساد( 90 ) منهم دونما هوادة؛ لتحيلهم لأشلاء ممزقة، في حصيلة ليست بالأخيرة، وكأنما هم والجوع حزب موت قاتل، وحرب إبادة لا ترحم، وكأنما هم والجوع في الكفر سواء بسواء؛ لتصفية ما تبقى من شعب أعزل يصارع الموت الذي يباغتهم في كل لحظة وحين!
إن الأمر يزداد شناعةً وسوءاً عندما تستهدف المشافي، عندما يحاصر الأطفال والشيوخ والنساء والجميع، عندما يمنع الطعام، عندما يجوّع الأطباء فيفقدون القدرة على مساعدة المرضى والجرحي، عندما يموت المئات وربما الألوف بسبب الجوع، عندما تتحدث ملامح الطبيب ولغة جسده عن مصارعته للجوع إذ لم يجد وزملاؤه طعاما كغيرهم من المحاصرين، عندئذٍ تتفاقم الكارثة الإنسانية، تتحطم الأخلاق على صخرة العنجهية، لا تغتفر تلك المآسي للعالم أجمع، كلهم شركاء في الجريمة بين مؤيد وداعم، وإلا فالعدو يتلذذ بالإبادة بكل ألوانها، متناسياً أن هلاكهم يكمن في بطشهم، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ} [ق : 36]
أليس الاستعلاء والاستكبار على الله تحدٍ صارخ يستوجب اللعنةً والهلاك المحقق لا محالة!
{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر : 43]
لقد أثبتت المملكة العربية السعودية أن القضية الفلسطينية قضية وجودية لا تتخلى عنها بحالٍ من الأحوال، لتسجل مواقف بطولية بلغة صادحة قوية؛ رفضاً للعدوان؛ لا للتهجير، لا للقتل، لا للتجويع!
كما تسعى جاهدة من خلال الجهود الدبلوماسية لفرض حل الدولتين وكسب الأصوات للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس، لتكون مصونة ذات سيادة، لها حقوقها التي تكفل عدم التدخل في شؤونها.
أخيراً:
نسأل الله لفلسطين وأهلها نصراً مؤزراً وفتحا قريبًا، وفرجاً عاجلاً، وأن يتحقق لها الاستقلال والوحدة والأمان!!
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات