
✍🏼 ملهي شراحيلي
ربما يظن البعض أن مايبحث الناس عنه يختلف باختلاف أجناس البشر وأصنافهم، ويتنوع بحثهم بتنوع مذاهبهم ومشاربهم، ويتغير بتغير أزمنتهم وأماكن تواجدهم، ولكن الحقيقة أن الناس بتعدد مشاربها ومذاهبها، واهتماماتها ومواهبها، وأديانها وعقائدها، تبحث عن شيئين لاثالث لهما:
مايحل مشاكلها.
مايثير مشاعرها.
نعم عزيزي القارئ، هذا بإختصار ماتبحث الناس عنه.
سواءً كانوا أغنياء أم فقراء، أو كانوا سياسيين أم بسطاء، وسواءً كانوا رجالاً أو نساء، وسواءً كانوا فلاحين أم خبراء...
الجميع يبحث عن هذين الأمرين:
حلول لمشاكلهم، ومايثير مشاعرهم.
ولذلك فإن الشركات الرائدة والتي تحقق أرباحاً خيالية هي ليست تلك الشركات التي تدفع المليارات على الدعاية والإعلان، ولا تلك الشركات التي تبيع أدوات ذات جودة عالية، بل إن الشركات الأكثر نحاحاً هي الشركات التي تبحث عن حلول لمشاكل!!!.
وكلما كان الحل مُبتكراً ومفيداً، ذاع صيت تلك الشركة، لاسيما إذا كانت قيمته في متناول الجميع.
والحقيقة أنه ليس فقط الشركات من تعزف على هذا الوتر الحساس، فالكثير من المهن والوظائف، العليا منها والدنيا، تزداد قيمتها وتكمن أهميتها فيما تقدم من حلول، وماتثير من مشاعر.
فالقاضي والطبيب والمهندس والمحامي وحتى الراعي والمزارع والخياط، تكمن أهميتهم وتزداد قيمتهم بما يقدمون من حلول لمشاكل الناس، ومايبذلون من جهد يثير مشاعر المجتمع.
أما الساسة وأرباب الاقتصاد وصُنّاع السياسة، وبغض النظر عن مناصبهم القيادية، فإن وظيفتهم الأساسية تقوم على إيجاد الحلول، وإثارة مشاعر الجمهور.
وكم من القادة على مر العصور، لم يكونوا يحسنون سوى إلقاء الخطب الرنانة التي تدغدغ مشاعر الناس، ومع ذلك فقد ذاع صيتهم وطغت شعبيتهم فخلدت أسماءهم، وتناقلت الأجيال أخبارهم.
ومن الذين استغلوا مايثير مشاعر الناس، الشعراء والكُتّاب والأدباء، ولذلك راجت تجارتهم وارتفع الطلب على منتجاتهم، وأحبهم الناس، لا لشيء، وإنما لأنهم فقط أثاروا مشاعرهم بكلماتهم العذبة، وقصائدهم الجزلة، ومقطوعاتهم الأدبية سواء كانت شعرية أم نثرية.
ولذلك فلا غرابة أن تتكاثر المؤسسات الفنية والقنوات التلفزيونية، وتتوسع مواقع التواصل الإجتماعية، رغم أنها جميعاً لاتقدم أي قيمة أدبية ولا فوائد للبشرية سوى أنها تثير مشاعر المتابعين، بالتسلية تارةً وبالإثارة العاطفية تارةً أخرى.
ولكي أشرح لك الفكرة بصورة مبسطة، لك أن تتخيل معي هذا المشهد:
عندما يولد طفل سواءً كان ذكراً أو أنثى، وسواءً كان في الصين، أو موريتانيا، أو كان في أستراليا أو بريطانيا، فأول مايفكر فيه أبوَاه، ويبدأون البحث عنه هي مستلزمات ذلك المولود، فإذا مرض بحثا له عن طبيب، فإذا أكمل عامه الأول بدأوا في البحث له عن أدوات التعليم والتسلية والتربية، وهكذا، في كل مرحلة من حياته، حتى يشتد عوده، فيبدأ هو بنفسه بالبحث!!.
فيبحث عن الجامعة التي تلبي مطالبه، وهو هنا يبحث عن حلول لمشاكل حياته، وفي رحلة بحثه عن مايؤمن مستقبله من وجهة نظره، تستوقفه الكثير من المحطات التي تثير مشاعره.
إن الأمية تعتبر مشكلة في جميع الثقافات والأديان والمجتمعات، ولذلك فالتعليم يعتبر الحل.
والمرض مشكلة، ولذلك يبحث الناس عن حل لتلك المشكلة.
وكذلك الفقر وانعدام الأمن، والتنقل أو المواصلات ومايتعلق بها.
وقس على ذلك، العزوبية، البطالة، الأمومة، الشيخوخة، الثروة، السكن، الطعام، وحتى وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي.
كل جزئية من حياتنا يمكن تحسينها أما بطريقة مباشرة منا بالبحث لها عن حل، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الدولة أو الشركات سواءً كانت محلية أو عالمية.
ولذلك فقد برزت كثير من الدول والمنظمات وبعض الشركات في دراسة المجتمعات بغرض إيجاد حلول لمشكلات تلك المجتمعات.
فنجاح الصين اقتصادياً جاء من ابتكارها لحلول لمشاكل كثير من الدول والمجتمعات وبأدوات بسيطة وبقيمة منخفضة مقارنة بحلول دول أوروبا.
بعبارى أخرى أن الصين استطاعت أن تبتكر حلول للعالم بقيمة أقل.
ونجاح شركة مايكروسوفت على سبيل المثال، لم يكن في اختراعها للكمبيوتر فقط، بل في كون الكمبيوتر ساعد الناس والدول في التخلص من مشاكل اجتماعية وثقافية واقتصادية، ووفر المليارات للمستخدمين من خلال حوكمة البيانات.
ومحلياً فإن مشكلة حوادث السير كانت من أكبر المشاكل التي تعاني منها المملكة، فجاء ساهر كحل لتلك المشكلة، وأعتقد أن كاميرات ساهر سوف تصبح في يوم من الأيام مثل كبائن الإتصالات قبل ثورة الجولات التي حلت مشكلة الإتصالات.
وهكذا فإن الحلول قابلة للتطوير، ليس فقط لتطور المشاكل وإنما لأن بعض الحلول مكلفة، فيبحث الناس عن حلول أقل تكلفة.
والحال كذلك في جل المشاكل إن لم يكن كلها، سواءً كانت مشاكل عالمية أو محلية أو حتى فردية، فالناس سواءً كانوا أفراداً أو جماعات فإن حياتهم قائمة على أمرين:
البحث عن حلول لمشاكلها، ومايثير مشاعرها.
ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف، وكل الإختلاف في أنواع حلولها لمشاكلها، ومايثير مشاعرها!!.
فالجميع يبحث عن حل لمشكلة، لكن حجم تلك المشكلة ونوع حلها، يختلف من شخص لآخر، كما يختلف مايثير المشاعر من شخص لشخص.
وكما قال أبو الطيّب المتنبّي:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ.
MelhiSharahili@gmail.com
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات