المقالات

تفجيرات موسكو... بين رواية داعش الغربية والبراءة الأوكرانية 

تفجيرات موسكو... بين رواية داعش الغربية والبراءة الأوكرانية 

✍️ ملهي شراحيلي

قبل قليل شاهدتُ حديثاً مترجماً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يتحدث فيه عن الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له العاصمة الروسية موسكو، مساء الجمعة، بواسطة مجموعة إرهابية اقتحمت مجمع كروكوس سيتي، وبدأت في إطلاق النار على الناس في المسرح، وإضرام النيران في المجمع وتفجيره، بحسب رواية أجهزة الأمن الروسية، ووقع نتيجة هذا الهجوم أكثر من ٦٠ قتيلاً وعشرات الجرحى والمصابين!!.

وفي حديثه عن الواقعة أشار بوتين، إلى تورط أوكرانيا في الحادث!!، وهو ماحرصت أوكرانيا على نفيه منذ اللحظات الأولى لإعلان التفجير!!.

ولكن الرئيس الروسي ذكر عبارة أراى أنها تستحق التوقف عندها ألا وهي قوله:

أن المجموعة التي نفذت العملية حاول بعض أفرادها الفرار إلى أوكرانيا، وأردف أنه تم عمل فرجه أو نافذه لبعض المنفذين للهروب، ثم القبض عليهم قرب الحدود الأوكرانية!!.

ومعلوم أن الحدود الأوكرانية هي ساحة حرب منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير ٢٠٢٢.!!

ثم إن هذه الرواية إن صحت فإن المنفذين ليسوا أغبياء فقط بل معتوهين لأن فرارهم إلى أوكرانيا وهم يعلمون أن الجيوش الروسية منتشرة على الحدود يعني وكأنهم ذهبوا ليسلموا أنفسهم للقوات الروسية.

لقد تجاهل الرئيس الروسي، تماماً رواية داعش التي اعترفت بتنفيذ العملية في "كروكوس سيتي هول" بضواحي موسكو!.

وهذا يطرح أكثر من تساؤل:

هل كانت روسيا على علم بالمنفذين ومن يقف ورائهم؟!؟

لذلك لم تلتفت إلى إعتراف داعش. 

أم أن روسيا تريد أن تلصق التهمة بأوكرانيا جزافاً؟!؟

وبالنسبة لأوكرانيا مايثير الشبهات نحوها إصرارها على النفي منذ اللحظات الأولى مع أنها في حرب ضروس مع روسيا وفي الحقيقة وإن نفت أوكرانيا صلتها بتفجير موسكو إلا أنها لم تستطع إخفاء شماتتها بروسيا، وهذا طبعاً كونهم في حرب فمن الطبيعي جداً أن تفرح بما يضر روسيا وإن كان عملاً إرهابياً.

إن إنكار أوكرانيا صلتها بتفجيرات موسكو، يذكرني بنكرانها صلتها بتفجير خطوط النفط الروسية "نوردستريم" قبل فترة، مع أن من الطبيعي جداً أن تنكّل أوكرانيا بروسيا، لأن روسيا تُنكّل بأوكرانيا والغرب معاً منذ أكثر من عامين.

 

أعود لحديث بوتين، الذي أشار فيه إلى تمكن قوات الأمن الروسية من القبض على ١١ شخصاً على علاقة بتفجيرات موسكو، منهم ٤ من المنفذين للهجوم، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازاً للأمن الروسي، مع أن الحادث برمته كان يمكن تجنبه وعدم السماح بحدوثه لاسيما وأن التهديدات الأوكرانية والغربية لم تفتأ منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبعبارة أخرى أن ماحدث ليس سوى تقصير أمني في موسكو.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:

من المستفيد من التفجيرات التي حدثت في موسكو؟!؟

من وجهة نظري الشخصية المتواضعة، أن أوكرانيا ليست المستفيد الأول رغم كونها في حرب مع روسيا، بينما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وحتى ألمانيا هم المستفيد الأول، ذلك لأن الحرب التي تجري بينهم وبين روسيا أشد ضراوةً من المعارك الروسية الأوكرانية. 

أما فيما يخص رواية داعش الغربية، فاللافت فيها أنها أُعلنت من أمريكا قبل أن تحدث التفجيرات بأيام !!

فقد نشرت السفارة الأمريكية في موسكو تحذيراً لرعاياها في موسكو من تفجيرات في تجمعات كبيرة، وحددت المسارح بالنص!!.

وإذا ما أخذنا في الإعتبار أن المخابرات الأمريكية قادرة على اختراق منظمة داعش، سواءً داعش التي صنعتها هي بنفسها، أو تنظيم داعش في خراسان أو غيره من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، فإن اختراقها هذا لن يمكنها من تحديد المكان والزمان بهذه الدقة، ناهيك عن إذاعة ونشر بيان داعش الذي يتبنى فيه العملية، إلا إذا كانت المخابرات الأمريكية هي التي حددت لداعش المكان والزمان.

ومن اللافت في الأمر أيضاً تشكيك وسائل الإعلام الروسية في رواية داعش الغربية، وظهرت صوراً ومقاطع تداولها ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي يزعمون أن الإعتراف الداعشي بالتفجيرات كان بواسطة الذكاء الاصطناعي!!!.

ومن تلك الصور مجموعة من الإرهابين وهم يرفعون سببات أيديهم اليسرى!!

وعلق عليها أحدهم بأن المسلمين لايستخدمون يدهم اليسرى عند التكبير أو نطق الشهادة، وصورة أخرى كانت مقلوبة لأن عبارة لا إله إلا الله على العلم كانت معكوسة مما يؤكد التلاعب في الصورة.

وهنا يتساءل المرء:

من يقف خلف هذا التزوير؟

وماهي الجهة القادرة على اختراق مواقع داعش الإلكترونية ونشر اعترافهم بالعملية؟

ومعلوم أن منبع الذكاء الاصطناعي وصنّاعه في الولايات المتحدة الأمريكية!.

وإذا ما استبعدنا الموقف الروسي المتشنج حالياً والمُصِر على أن أوكرانيا هي من تقف خلف التفجيرات، وأخذنا برواية داعش الغربية بأنها هي فعلاً من نفذت العملية، فما أهمية هذه العملية لداعش؟

وماذا تريد داعش من مهاجمة روسيا؟

ولماذا في هذا الوقت تحديداً؟

 

 

إن تنظيم داعش الإرهابي منظمة أصبحت عالمية ولها فروع في أكثر من دولة وأقليم وهي لاتؤمن أصلا بالحدود بين الدول، ولذلك فإن اختراقها سهل على مخابرات الدول، ولكن أن تنشر السفارة الأمريكية في موسكو تحذيراً، ثم يحدث خلال أيام ماحذرت منه ليس فقط نجاحاً استخباراتي بقدر ماهو انخراط في التخطيط والتنفيذ للتنظيم. 

هنا يتبادر إلى ذهني أمر ربما لايكون له علاقة بتفجيرات موسكو ولكن له علاقة بانخراط المخابرات الأمريكية والحكومة الأمريكية في صناعة داعش، ألا وهو موقف بايدن، والولايات المتحدة الأمريكية من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله!!.

فعندما أعلن حفظه الله ورعاه حربه على الإرهاب قامت قيامة أمريكا ضدنا، وتعهد بايدن، شخصياً بأن يجعل السعودية دولة منبوذة، وقبل ذلك نستذكر موقف أوباما، وهيلاري كلنتون، من أحداث البحرين، ومصر!!.

لكن شراسة أمريكا وتكشيرها على السعودية وهجومها الشخصي ضد ولي العهد حفظه الله، لم يكن إلا لأنه كشف العلاقة بين أمريكا وتنظيم داعش الإرهابي. 

إنك لو قلت الآن لأي مسلم أن تفجيرات موسكو، نفذها داعش، فسوف يكون رده وأين داعش مما يجري في فلسطين؟

لماذا لم تهاجم داعش الكيان الصهيوني الذي عاث فساداً في فلسطين؟؟!!

وهذا لأن أغلب الناس يظنون أن داعش منظمة إسلامية، وهي أبعد ماتكون عن الإسلام إنما منظمة صهيونية أمريكية وبيدق من بيادق الولايات المتحدة الأمريكية تحركها أينما تشاء وكيفما تشاء ومتى ماتشاء.

لقد انكشفت ألاعيب الغرب ومكائده، واتضحت الصورة للجميع ولا أظن أن مسلماً سٌرر بتفجيرات موسكو، ناهيك عن أن يتعاطف مع داعش أحد بعدما حدث.

لقد حاولت أمريكا أن تثبت لموسكو أن الإسلاميين هم عدونا المشترك، وهم من يستحقون أن نحاربهم جميعاً، ولكن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، أذكى من أن تنطلي عليه الخُدعة، فقد تعلّم الدرس، وهو يعلم جيداً من خطط للعملية ومولها ونفذها، وليس تصريحه الذي جاء بعد حوالي ٢٤ ساعة من الحادث إلا ليجمع أكبر قدر من المعلومات، ولا أستبعد أن يكون التناقض الذي ظهر في حديثه سوى تمويه لحقيقةٍ لا يعلمها إلا هو والأمن الروسي. 

ولا أستبعد أن تكون الرواية الروسية بشأن تورط أوكرانيا فيما حدث واقعية، وإذا ما تساءلت كيف؟

فالأمر من وجهة نظري أن المخابرات الأوكرانية بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت تجنيد مجموعة من سفهاء داعش وفي الحقيقة أن كلهم سفهاء، ثم سهلت دخولهم لروسيا لتنفيذ هذه العملية القذرة ثم الإعتراف بها، وفي النهاية هم إرهابين رعاع يتم التحكم فيهم وتوجيههم من قبل المخابرات الأمريكية.

إن أوكرانيا في حقيقة الأمر ليست سوى نسخة من داعش بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فهم يأتمرون بأمرها ويسبحون بحمدها، كما يفعل تنظيم داعش بالضبط، غير أن الأوكرانيين لايمتلكون الفكر الانتحاري كما هو عند الدواعش، ولذلك استأجروا داعش لتنفيذ العملية. 

في النهاية سوف تكتشف روسيا أن أوكرانيا لم تكن سوى مطية للمخابرات الأمريكية، كما اكتشفت أن داعش مطية لأوكرانيا.

ولقد صدق الشاعر، إذ يقول:

رأيتُ مُنافقاً يحمي خبيثاً

وكلٌّ منهما بالظلم يسعى

قد اتفقا ولكن في فسادٍ

كعقربَ راكباً للشرِّ أفعى

فمن يستأمنِ الحشراتِ تُفسدْ

جوارحَ نفسه بالسم لسعا

فيُنمين الشرور وهنَّّ وِترٌ

فكيف إذا أتونَ وكُنَّ شَفعا.