المقالات

اللغة العربية في يومها العالمي

اللغة العربية في يومها العالمي

 


بقلم: فلاح بن علي الزهراني  

يعد شعار اليوم العالمي للغة العربية لعام 2025 "مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولاً"،  
الذي أعلنت عنه منظمة اليونسكو هذا العام، والذي يتخذ مدلولاً متعدد الأوجه: الأصالة والعراقة، الهوية والثقافة، الحداثة والمعاصرة، الابتكار ومواكبة التقدم والتقانة، ليؤكد أنها لغة حية متجددة لا تتقادم ولا تبلى، بل تتمتع بروح رياضية تتماشى مع كل جديد؛ بإقبال ورحابة دون أن تنكره أو تتجافى عنه.  
اللغة العربية تمثل لنا- نحن السعوديين- أمتداد زمني وعمق تاريخي مكين، وعاء للموروث الثقافي والأدبي، قناة تربط الحاضر بالماضي، جسر للتواصل لأبعد نقطة ولأقصى مدى. ولقد زادها شرفا وخلودا أن أنزل  القرآن بلسانها العربي المبين، ذلك بأنها الأجدر والأقدر على استيعاب مفرداته؛ مضامينه ومدلولاته، أعماقه وأبعاده، فكانت البيان الصادح، والبلاغ القادح، والرسالة الأوضح، لتظل  القاموس المحيط الذي حوى جميع المعالم والمعاني أن كانت الأكثر استيعابا وثراء؛ لحمل جميع التأولات والقصص والأحكام، والشرائع والمجامع، لتصوغ معجزة لا تُجارى، تحدٍ مغدقٍ لا يبارى، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو  ولا يعلى عليه.
اللغة العربية ليست مجرد صوت رخيم يشنف الآذان ويطرب الأسماع، بل هي معان تهتز لها أوتار القلوب، تحرك مكامن الوجدان، تأخذ بالألباب، تستهوي القلوب، تستثير المشاعر، طاقة دفء توقظ السكون، تشاطر الخواطر أو المخاطر، تقرأ كشيفرات تحمل رسائل خفية أو حِكما بليغة .. تنقل عبر الأثير كحمائم سلام بعبارات ود أو حب أو صفح ورحم، كما ترسل كشواظ من حمم بركان مستعر؛  كتهديد ووعيد أو نذر حرب ودمار .. وهي هي ذاتها تتلون بذات اللفظ حينا بردا وسلاما، وحينا عذابا وشعلة لهب حارق، إنها لغة الإحساس الحي تتناغم مع النبض كما تتفاعل مع العقل والفكر؛ لتبهج الكيان فرحا أو لتصخب الوجد ترحا!
 الرحمة المهداة، الراحة والسكينة، إذ كانت أملا وجبرا  للخواطر، وإنها العذاب المستعر، الحقد والألم إذ ما كانت توبيخا وعقابا!
 رب كلمة أدخلت سرورا، ورب أخرى أورثت بثا وحزنا!

العربية ليست حروفا جامدة كجلاميد صخر صامتة، بل وليست كلمات هامدة كأحجار أطلال خامدة، ولا عبارات فاقدة للوعي، نابتها صروف الدهر بالإهمال أو الهوان، إنها لغة شاعرية، حرى تتلوى في الجوى بكل ما يُنوى أو يرى أو يهوى، أو يجدي نفعا، أو يحدث خفضا أو رفعا، منعا أو دفعا، قربا أو بعدا، وعدا أو وعيدا، تحاملا أو حبا.
إنها ديوان لا ينضب، بحر لا يرى باطنه من ظاهره، عميق يكتنز اللآليء والجواهر، يخفي الدرر والخزائن .. سهلة ممتنعة، صعبة المراس، كخيل جامحة، أو كريح عاصفة أو كالأفعى سُما زعافا وهلاكا.. أو كعسل شهد مصفى غذاء وشفاء .. مثقلة بالفوائد والفرائد كسحاب مركوم فيها من برد كالجبال الراسيات، وإن شئت كالإنسان أكثر جدلا، والفضاء اتساعا، وكالأفق لا حدَّ ولا ردَّ".
العربية سلسة تنساب كماء  رقراق، بصوت جذاب، بسحر أخاذ، كروح وريحان، كدوح سامق مثمر، خضرة نضرة، تنساق كحمل وديع لمن هو حاذق ماهر لبيب آخذ بتلابيب خطامها، أوتي جوامعها، أو كان ملمٌّ بتفاصيلها، مستوعب لمعانيها ومراميها، محيط بمفرداتها مدرك لمدلولاتها، لتضادها وتناقضها، لتحولاتها وتقلباتها، لاشتقاقاتها وأنشقاقاتها، لإشراقاتها وإشفاقاتها، لإمكانياتها وديناميكيتها، لمعارفها ومعازفها، لتقنياتها وتقنيناتها، لأصالتها ومعاصرتها، لبوحها وإيحاءاتها، لأرضها وروضها، لزهرها وأزدهارها، لسموها وسماحتها، لطيفها ونسائمها، لحلوها ومرها، لغيثها وغثائها، لصفائها واصطفائها، لغيمها وكدرها، لجمالها وجلالها، لعليائها واعتلالها، لشواهدها وشواهقها، لجدها وجلدها، لشعرها ونثرها، لمروياتها وقصصها، لأفيائها وأفنانها، شجنها وطربها، فرحها وترحها، كنها وأكنافها، وكل ما لها وإليها .. وكل ذلك عندها .. بهاء بلا ارتواء، رحابة بلا انتهاء!

ولقد حظيت اللغة العربية في وطننا مهد العروبة والإسلام- المملكة العربية السعودية- بعناية فائقة إذ تعد اللغة الرسمية للخطابات والمخاطبات الحكومية والشعبية، كما هي لغة التعليم والممارسات الحياتية، وما إنشاء (مجمع الملك سلمان للغة العربية) إلا انعكاس لذلك الاهتمام وتأكيد على مكانتها وتعميق لأصالتها، وترسيخ لها كأداة للتواصل والتلاقح الفكري والأدبي والثقافي تصل الأجيال بالأجيال، بل العالم بالعوالم، لتثبت في الروع كهوية تستمد قيمتها من أصلٍ عقدي تعبدي،  وتاريخي متجذر منشأ ومرسى، أثارة من علم لا يفنى، أصلها ثابت  وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، لتعيش وتعايش حلوة طرية شهية ندية، تتشافها الألسن حديثا وحدثا، أو تريقها الأقلام براقة وراقة، لتنتشي واثقة متجددة تخرج خبء الشوق أو الشغف، لتنبيء عن كل عيٍّ  أو معنيٍّ!!

خاتمة المطاف:
إنها لغة الإعجاز والتحدي، لغة البيان والتبيان، الفن والإيقاع، الإنشاء والخبر، الحب والولاء، لغة الأنبياء والرسل، آدم وحواء، الحديث والقرآن، السير والمسيرة، الأولى والآخرة .. فكم نحن مولعون بها، مدينون لها، مسؤولون عنها .. فهل نفي بحقها، عملا بها وإعمالا لها؟!