المقالات

عين على قمة الدوحة:

عين على قمة الدوحة:

كثيراً ما يُلام القلم حين ينجرف وراء العاطفة، فيغدو حبره أكثر كثافة من المعتاد، وتفلت منه نبرة الانفعال.!. غير أن ما يجري اليوم في منطقتنا لا يترك مجالاً للشك بان الجريمة التي ارتكبها الكيان المحتل بقيادة اليمين المتطرف ليست حدثاً عابراً، بل خط أحمر غير مسبوق، ليس فقط بحق قطر الشقيقة، وإنما بحق الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية جمعاء، فالرسل لا يُقتلون، والوفود لا تُهان، فكيف تم ذلك وهو بطلب أمريكي لقطر باستضافة المفاوضات؟

 

لقد افتتحت قاعدة العديد الجوية في التسعينيات الميلادية برؤية تعلن حماية قطر من أي تهديد خارجي، غير أن التجربة أثبتت عكس ذلك ... فما بين صواريخ إيرانية تُسقطها الدفاعات القطرية لحماية القاعدة، وبين تهديدات تأتي من الداخل الإسرائيلي تحت عين الحليف الأمريكي، يبرز سؤال جوهري: من يحمي من؟ وهل تحول الهدف من حماية قطر إلى حماية القاعدة العسكرية ذاتها؟

 

إن القراءة المتأنية لمواقف القوى الكبرى تكشف أن ما جرى لم يكن مفاجئاً لها، بل ربما كان بقرار مسبق أو بضوء أخضر أمريكي لنتنياهو الذي يسعى جاهداً إلى تصدير أزماته القضائية بعيداً عن الشارع الإسرائيلي ... وما يعزز هذه الفرضية هو القرار الأممي الأخير الذي أدان الاعتداء على الدوحة من دون أن يسمّي إسرائيل، وكأن المعتدي كيان غامض أو قوة فضائية، لا دولة معروفة الهوية والسلوك!

 

ومع ذلك، فإن تصويت 148 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة يشكّل رصيداً سياسياً ومعنوياً يمكن البناء عليه لدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة ... هذا الموقف، وإن لم يكن ملزماً قانونياً، فإنه يُعيد التأكيد على عزلة الكيان المحتل، ويفتح الباب أمام تحركات عربية ودولية أوسع إن أحسن استثماره في هذه القمة.

 

ان السياسات العالمية والتحالفات تتغير كل يوم، ولكن المؤكد ان هناك ازدواجية في المعايير الدولية، وان بوصلة السياسة عندما تفتح في منطقة الشرق الأوسط ترى ابرتها تتراقص ولا تكاد ان تتجه الى موقع معين فعندما ترى من قصف الدوحة قبل شهرين يصرح بان ما فعله الكيان المحتل خارج عن الأعراف الدولية تتساءل وماذا كنت انت تفعل حينها؟ ومن أحل لكم انتهاك سيادة الدول حسب اتجاه بوصلة هوائكم ؟!  

 

هنا تبرز الجهود السعودية باعتبارها ركناً أساسياً في صياغة المواقف العربية والإسلامية، فمنذ اللحظة الأولى، أكدت المملكة أن أمن الخليج كلٌّ لا يتجزأ، وأن أي تهديد لدولة شقيقة هو تهديد مباشر للجميع ... وعلى هذا الأساس وضعت الرياض ثقلها السياسي وجميع امكاناتها لمساندة دولة قطر الشقيقة وسعت لتوحيد الصف الخليجي والعربي، ودفعت باتجاه إدانة واضحة وصريحة للانتهاك الإسرائيلي، مقروناً بجهود عملية في أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي لقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ولكبح جماح الكيان المحتل، فالتسليح المفتوح والدعم اللامحدود الذي تمنحه دول الغرب لحكومة متطرفة في تل أبيب لا يشكل خطراً على الجوار فحسب، بل يهدد الأمن والسلم الدوليين برمتهما.

✍🏼علي بن عبد الله المالكي