
ها أنا أغرق من جديد، يا بحر، في بحر نفسي التي لا أعلم كيف أخرج منها، أو أين المرفأ الذي يوصلني إلى الشاطئ، ذلك الشاطئ الذي يُخلّصني من هذا البحر، الذي لا أعلم كيف امتداده، ولا كيف نهايته.
إنني أُبحر فيه منذ أعوام، ولا أعلم متى بدأت رحلتي، ولماذا لم أنتهِي منها.
وهل ستصمد سفينتي التي بدأت تملُّ من تلك الرحلات؟
فإني أسمع صوتها تقول لي:
"أنا تعبتُ وأنا أُبحر،
أنا تعبتُ وأنا أقاوم تلك الأمواج.
أذهبتُ ولا أعلم أين تريدين، لا أعلم إلى متى سأبقى معلّقة في البحر، معلّقة بين نفسكِ ونفسي.
فأنا أصبحت مثلكِ، تائهة، لا عنوان لديكِ، ولا مكان محدد نذهب إليه لكي أُخلّصكِ من رحلتكِ هذه... وأُخلّص نفسي أيضًا."
فقالت بتعجب، ثم سألتُ نفسي:
هل أنتِ من ترحلين لأنكِ لم تجدي المكان الذي تذهبين إليه؟
أم أنا التي أرحل بكِ، لأني لا أعلم وِجهتي التي أريدها؟
ومن التي تهرب منا؟ أنتِ... أم أنا؟
فأنا أيضًا لا أعلم ماذا أريد، ولا إلى أين أذهب.
أنتِ تهربين من نفسكِ وتخافين أن تغرقي فيها،
وأنا أهرب من نفسي أيضًا، وأخاف أن أصبح كمثيلاتي،
مجرد سفينة رُصَّت على شاطئ، وأصبحت في مقبرة السفن،
دُفنت وهي واقفة، وكأنها تنتظر من يعيد لها الحياة،
من يقول لها: "فلنُبحر من جديد."
فقلتُ لها:
"آه، آه يا سفينتي...
جميعنا نهرب من الغرق في أنفسنا،
لكن لا نعلم كيف نسبح عندما نغرق فيها،
حتى لو كنا نجيد السباحة...
فكيف نسبح وننقذ أنفسنا من الغرق في أنفسنا؟"
فقالت السفينة لي هذا سؤالًا عميقًا:
"أتمنى أن تجدي الإجابة عليه، وتنقذي نفسك من هذا الغرق...
قبل أن تُصبحي في مقبرة السفن."
✍🏼موسيه العسيري
(0) التعليقات
لا توجد تعليقات