منوعات

أنا الحلم … أم أنا فيه ؟

أنا الحلم … أم أنا فيه ؟

ما هذا المكان الذي أنا فيه؟

ما هذا الشيء الذي أعيشه؟

هذه ليست ذكرياتي، ليست أمنياتي، ليست أحلامي!

وكأنني أعيش داخل حلم أحدهم، أعيش تفاصيل أحلامه وأمنياته التي كان يتمناها.

 

لقد سافرت إلى جزيرة التي لم أكن أتمنى زيارتها،

لكنني سمعت شخص ذات يوم يقول: "أتمنى أن أسافر إلى جزيرة تطل على البحر، وأترك المدينة التي أعيش فيها، وأذهب إلى جزيرة تتوسطها منارة تضيء بنورها، وكأنها تلوّح لكل عابر، سواء كانت سفينة أو قاربًا أو باخرة أو يختًا، وكأنها تدل على الطريق".

 

وفعلًا، أرسى ذاك اليخت على تلك الجزيرة التي أضلّت فيها المنارة، وكأنها كانت دليلًا لكل تائهٍ يرغب بالوصول.

لكنني لم أرغب بذلك، فأنا لا أحب أن أعيش في مكان أكون فيه محاصرة، تُحيطني المياه من كل جانب، ويصعب التنقل فيه إلا بقارب أو سفينة تعبر البحر من كل أطرافه.

 

وكانت المنارة تبدو شامخة، تضيء بضوئها الذي يبلغ الأميال،

بينما أنا، في تلك الجزيرة، شعرت بالخوف، والملل، والروتين الذي كنت أهرب منه في يقظتي.

وكأنني في حلم أحدهم، أو في ذكريات شخصٍ لا أعرفه!

 

لماذا أنا؟ لماذا أعيش حلمًا أو أمنيةً أو ذكرى لا تخصني؟

متى يستطيع الإنسان أن يعود إلى واقعه؟

متى أستطيع أنا أن أخرج من هذا المكان، من تلك الجزيرة، من هذا الحلم؟

 

أسأل نفسي وأنا أنتظر:

متى يستيقظ ذلك الشخص… لكي أخرج من حلمه؟

لكنه ما زال في سباتٍ عميق.

 

وفجأة، سمعت صوتًا يخاطبني:

"أمللتِ من الانتظار؟

أمللتِ من وحدتك هنا، دون ونيس، دون أحدٍ يخفف عنك وحدتك، يشعر بك؟"

قلت: "من؟"

فقالت:

"أنا هنا، أقف وحدي منذ زمنٍ طويل، كنتُ دليلًا لمن يمر من هنا، كنتُ أملًا لمن تاه.

كنتُ دليلًا، ولم أطلب ثمنًا لذلك، كنتُ الوصل والهدى، من يُهتدى به…

كنتُ، وما زلتُ…".

 

"أنا هنا وحدي، منذ قديم الزمان، بل أقدم مما تتخيلين.

وأنتِ تعيشين لحظة فقط، داخل حلم أحدهم، تنتظرين متى يستيقظ لتعودي.

لكن ماذا عني؟

أنا الحلم الذي حلمه من وضعنا هنا… مات، ومات حلمه معه.

وأنا بقيتُ.

أصبحتُ نفسي،

ثم أصبحت منارة، ودليلًا، وعنوانًا.

كم من القصص حُكيت عني، وكم من السفن كنتُ لها دليلًا…

ماذا أقول لك؟

أنتِ تنتظرين، لكن قد لا يطول انتظارك.

أما أنا، فلم أعد أنتظر،

فلماذا أنتظر وأنا لا أعلم متى أعود؟

فأصبح الانتظار غير موجود،

وأصبح هذا المكان مألوفًا،

جزءًا مني…".

 

وفجأة، استيقظ ذلك الشخص من نومه،

الذي كنتُ أنا جزءًا من حلمه،

لكن قبل أن يستيقظ تمامًا،

قالت لي تلك المنارة:

 

"ها أنتِ تغادرين…

ها أنتِ بعد قليل، ستخرجين من حلم ذلك الشخص.

لقد كنتُ سعيدة بوجودك،

حتى لو كان وجودك دقيقة فقط، أو دقائق.

انكسرت وحدتي، التي لا أعلم متى بدأت،

وأعلم أنها… لن تنتهي.

 

أتمنى أن تعودي ذات يوم،

حتى لو كنتِ مجرد حلم في حياة أحدهم،

وإن مررتِ بي،

تذكّري حديثنا هذا…

لكن ربما لن تتذكّري، لأنكِ في حلم،

أو… ربما تتذكّرين وتبتسمين،

وأنتِ تمرين بي،

أو بشبيهةٍ لي…".

 

أما أنا،

فكان لديّ الكثير من الحديث،

كنتُ أريد أن أقوله لتلك المنارة،

لكن… استيقظ،

وخرجتُ أنا من حلمه،

وبقيتُ أسأل نفسي:

 

هل ما زلتُ أنا… في حلمه؟

أم أنني كنتُ مجرّد حلمٍ من أحلامه… التي حلمَ بي؟

✍🏼موسيه العسيري